الثلاثاء، 20 ديسمبر 2016

تساؤلات محرجة لمتبرجة



الحمد لله الذي بيده مقاليد الأمور ، وبأمره تصريف الأحوال ، وهو على كلِّ شيء قدير ، وبكلِّ شيء عليم ، والصلاة والسلام على رسول الله ، سيد ولد آدم ، وأشهد أن

لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد :

فهذه تساؤلات محرجة لمتبرجة ، أردت من خلالها أن تنتبه الغافلة ، وتتعلم الجاهلة ، وتثبت على طريقها كلُّ فاضلة عاقلة ، فأقول ، وبالله أصول وأجول :


* أختاه !

هل تتبرجين ليراك الناس بهذا اللباس ، والتبرج المزعج ؟ وتفرحين إذا التفتت إليك الأبصار وتابعتك الأنظار ؟

فأين أنت عن الله !

أين أنت عمن يراك تلبسين ما نهاك عنه وحذرك منه ؟

أما تخافين عذابه ؟ وتخشين عقابه ؟ وتهابين حسابه ؟

أم أنَّ الدنيا أغرتك ؟ وفي أوديتها أردتك ؟ وبحبالها أوثقتك ؟

هل ركنت للدنيا الفانية وغفلت عن الآخرة الباقية ؟

هل طمعت فيما يزول ؟ وانشغلت بما يحول ؟ ونسيت يوماً سيطول ؟

أعيذك بالله من كلِّ ما يؤذيك !

قال تعالى : [ ... واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفي كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون ] 1


* أختاه !

هل تحبين رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ؟!

لا أشكُّ في ذلك طرفة عين
.
فهل يرضيك ـ لو أنه بُعث من قبره ـ أن يراك على هذا الوضع المزري والواقع المخزي ؟!

تصوَّري هذا بخيالك ، ثم افعلي ما بدا لك !

عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :" كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى " . قالوا يا رسول الله ! ومن يأبى ؟ قال :" من أطاعني دخل الجنة ، ومن عصاني فقد أبى " 2

ألا تخشين أنك ممن أحدثوا بعده ، وصنعوا ما لم يشرع لهم ، وفعلوا ما لم يأذن لهم فيه ، فيطردون عنه ، ويُحرمون من حوضه ، ويُذادون عن الشراب من يده المباركة في يوم يطول فيه الموقف ويعظم فيه الهول ؟! وهو ينادي ويقول :" أمتي ! امتي ! " فيرد عليه :" إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك " !!


* أختاه !

أيسرُّك لو أن ملك الموت نزل إليك ، وهجم عليك ، ليستلَّ الروح من الجسد السافر والبدن الظاهر ؛ أن تلقي الله تعالى وأنت بلباسك المتهتِّك ، وحجابك المتبرج ؟

أما تخافين من سوء الخاتمة وقبح العاقبة ؟ والمرء يُبعث يوم القيامة على ما مات عليه ، ثم يحاسب على ما قدمته يداه بين يديه .

فيا لهف نفسي !

كم من مفضوح في يوم لقاء الله !

قال تعالى :[ قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ] 3



* أختاه !

لو أن شقيقك طلب منك أن تختاري له زوجة صالحة ممن تعرفين من الفتيات ، وجعل لك القرار في الاختيار ...

فهل ستختارين له تلك المتبرجة السامجة ؟!

أم أنَّك ستنصرفين عنها لتختاري له تلك اللؤلؤة المصونة والدُّرَّة المكنونة التي تلفعت بلباسها ، وتسربلت بعباءتها ، وحفظت نفسها من تلك النظرات الخائنة التي يرسل بها زمرة شيطانية من الذئاب البشرية التي تحوم حول كلِّ فريسة بلهاء زجَّت بنفسها بين أنياب الذئاب ومخالب المخربين من الشباب ؟

أنا زعيم بأنَّك ستختارين الأخرى على الأولى !

أ رأيت لمن يكون الاحترام ؟ وبمن تكون الثقة ؟ وإلى من تنصرف القلوب والعقول ؟ وتلك عاجل البشرى ، وما عند الله خيرٌ وأبقى .



* أختاه !

هل تقتدين في هذا التبرج بالمؤمنات الصالحات من أمهات المؤمنين أو بزوجات أصحاب خير المرسلين ؟ أو بنساء أتقياء التابعين ؟ أو بالحافظات لما أمر به ربُّ العالمين ؟

أم أنَّك تتأسين بالفاسقات العاصيات من الكافرات الفاجرات أو بالممثلات المنحرفات أو بالمغنيات المائلات أو بالضائعات الحائرات ؟!

ولا يخفاك ـ رُزقت هُداك ـ أنَّ التشبُّه في الظاهر دليل التعلُّق في الباطن ، ومن تشبه بقوم فهو منهم ، والمرء يُحشر مع من أحبّ ..
فاختاري الرفيق في الطريق ، والموعد يوم القيامة !


عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت : لمَّا نزلت :[ يُدنين عليهنَّ من جلابيبهنَّ ] خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية . 4

وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت : يرحم الله نساء المهاجرات الأول ، لمَّا أنزل الله :[ وليضربن بخمرهن على جيوبهن ] 5 شققن أكنف ـ وفي رواية ؛ أكثف ـ مروطهنَّ فاختمرن بها . 6

فهل تستوي المستترة مع المستهترة ؟! والمحجبة مع المتفرنجة ؟! والتقيَّة مع الشقيَّة ؟! تالله لا تستويان ، لا في الدنيا ، ولا يوم يبعثان !


* أختاه !

هل تعلمين أن المتبرجة السافرة مهزومة من داخلها ؟ لأنها مهزوزة الشخصية ، مطموسة الهوية ، مسلوبة الإرادة ، لا تعتزُّ بدينها ، ولا تفخر بعقيدتها ..

فهي تشعر بدناءة نفسها ، وتحس بضعف ثقتها بذاتها ، فتحاول ستر هذه السوءة ، بسوءةِ التبرُّج والسفور وحبّ الظهور ، وكم قُصمت بهذا ظُهور ؟!

فأين هي ـ أسفاً عليها ـ من تلك الواثقة بطريقها ، المُعتزَّة بدينها ، والمستمسكة بأمر ربِّها .. فواسعداً لها !
لقد جعلت الحجاب مبدأ تعيش عليه ، لا يمكنها التنازل عنه ، وقضية تناظل من أجلها ، فكيف تتساوى مع من تتهاوى ـ في كلِّ يوم ـ تحت أقدام أعدائها ، يحرفونها عن مسارها كيفما أرادوا ، وهي سامعة مطيعة ، خاضعة ذليلة ، لا رأي لها أو قرار ، ولا فكر لها أو خيار ؟!
قال تعالى :[ أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أمن يمشي سوياً على صراط مستقيم ] 7

* أختاه !

هل تعتقدين أن التبرج حضارة ، ومواكبة للتطور ، ومسايرة لركب التقدم ؟

الحقيقة أنها خدعة لا أظنها تنطلي عليك ، ولا أحسب أنك من ضحاياها ، فالتبرج عودة للعصور الهمجية ، ورجوع لأسن الجاهلية ، ولهذا جاء النهي الصريح في كتاب الله تعالى عن النكوص على الأعقاب ، والرجوع لزمن الوحش والغاب .

قال تعالى :[ ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأطعن الله ورسوله .. ] 8

فهل ترضين بأن توصفي بالجاهلية ؟ أو تنسبين إلى العصور الحجرية ؟

انتبهي من مكر الأعداء ، واحذري من كيد الشيطان ، فالرقي والتقدم تستلزم التمسُّك بالآداب الشرعية ، والقيم الإيمانية ، وإلا فإنها الجاهلية الأولى ، واللوثة الكبرى ، والنكسة الأخرى !


أختاه !

هل تحتملين الحرمان من الجنة العالية لنزوة زائلة ، ولنشوة عاجلة ؟ تمضي سريعاً كومض البرق ، ثم يبقى الذنب في الصحيفة ، وقد يكون سبباً للحرمان من الجنة ، فيا له من حرمان موجع وغبنٍ مفجع !

فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ ( :" صِنفانِ مِن أهلِ النار لم أرَهُما . قومٌ معهُم سياطٌ كأذنابِ البقرِ يضربُونَ بها الناسَ ، ونساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ ، مميلاتٌ مائلاتٌ ، رُؤسُهنَّ كأسنةِ البُختِ المائلةِ لا يدخلنَ الجنةَ ، ولا يجدنَ ريحهَا ، وإنَّ ريحها ليُوجدُ مِن مسيرةِ كذا وكذا "9

وعن أبي أذينة الصدفي ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ( ـ قال :" خير نسائكم الودُودُ الولودُ ، المواتية ، المواسية ؛ إذا اتَّقينَ اللهَ ، وشرُّ نسائكم المُتبرِّجاتُ المتخيلات ، وهنَّ المنافقات ، لا يدخل الجنة منهنَّ إلا مثلُ الغراب الأعصم " 10 وهذا الغراب في رجله ومنقاره لون أحمر ، وهو نادر في الغربان .

أختاه !

لماذا تتبرجين ؟! أليس ليراك الناس ، فيعجبون بك ، وينظرون إليك ، ويثنون عليك ، ويرضون عنك ؟!

فأين أنت عن البحث الدؤوب عن رضى الرب ـ سبحانه ! أيعقل أن رضى الله تعالى آخر ما تفكرين به ، وتبحثين عنه ؟!

أليست قلوب العباد بين يديه يقلِّبها كيف يشاء ؟! بلى ! فلماذا لا تجعلين الهمَّ همَّاً واحداً ؟!

فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" من التَمس رضا الله بسخط الناس ؛ رضي الله عنه ، وأرضى عنه الناس ، ومن التمس رضا الناس بسخط الله ، سخط الله عليه ، وأسخط عليه الناس " 11

فأفيقي ـ يا أخيَّة ـ من هذا السبات العميق ، واحذري من آفات الطريق ، واعلمي أن اليوم عمل ولا حساب ، وغداً حساب ولا عمل ، وأنك راجعة إلى الله ، وواقفة بين يديه ، فخذي للموقف أهبته ، وللموقف عدته ، وللسؤال إجابته ، فلا يغرنَّك بالله الغرور ، فإلى الله ترجع الأمور .

1 البقرة :
2 صحيح البخاري (6/2655 ) (6851 ) .
3 الجمعة :
4 صحيح سنن أبي داود (2/773) (3456) .
5 النور : 31
6 صحيح سنن أبي داود (2/773) (3457) .
7 الملك :
8 الأحزاب :
9 صحيح مسلم (3/1339) (2128) .
10 أخرجه البيهقي في السنن ، انظر : السلسلة الصحيحة (4/464) (1849) .
11 رواه ابن حبان في صحيحه ، انظر : صحيح الترغيب والترهيب (2/547) (2250 ) وهو في الترمذي بلفظ قريب منه .

0 التعليقات

إرسال تعليق